الناظور : ذ .رشيد صبار يكتب”الشعب و الحكومة”: قراءة الواقع من خلال قصة أحمد بوكماخ

الناظور : ذ .رشيد صبار يكتب”الشعب و الحكومة”: قراءة الواقع من خلال قصة أحمد بوكماخ
نعود بكم اعزائي القراء من خلال هذا العمود في قصة جديدة من سلسلة كتب “اقرأ” هي سلسلة كتب مدرسية مغربية كانت تغطي المرحلة الابتدائية بأكملها من القسم التحضيري الى قسم الشهادة في المغرب انذآك، من تأليف الكاتب أحمد بوكماخ، وكانت هذه السلسلة ممنهجة في نظام التدريس المغربي بعد الاستقلال واستمرت إلى حدود منتصف الثمانينات، والتي ظلت صامدة لما يزيد عن ثلاثة عقود ونيف من الزمن، وكان هذا الكتاب بمثابة منجم من الذهب كان يمنح الرغبة، والقدرة، والفرصة للاستمرار في الدراسة، وفي غياب تام بعد الاستقلال لمعاهد وبرامج أجنبية ومدارس خصوصية، فعدد كبير من الشخصيات الذين تقلدوا مناصب عليا ببلادنا درسوا في هذا الكتاب، ومنهم وزراء، وبرلمانيين، وسياسيين،ورؤساء حكومات، ورؤساء مؤسسات كبرى…

قصتنا اليوم التي عنوانها الكاتب أحمد بوكماخ ب” الشعب والحكومة” التي جرت اطوارها في القسم. قال معلم لتلاميذه:<<تعالوا نلعب لعبة الشعب والحكومة. >>ففرح التلاميذ ،واستعدو. وهكذا بدأ التمثيل :مثل المعلم الملك، ومثل التلاميذ الشعب،فكان منهم المفكرون، والفلاحون، والتجار، والعمال، والنساء، والشيوخ، والاطفال.

قال الملك :<<أنتم شعب نشيط، فهل تريدون أن تكون لكم حكومة مخلصة؟ >>قال الشعب: نعم، نريد أن تكون عندنا حكومة مخلصة! >>قال الملك:<< انتخبوا عددا من الاشخاص لينوبوا عنكم في اختيار رئيس للحكومة>> ولما انتخب الرئيس، اختار بعض الافراد من الشعب، ليساعدوه على خدمت البلاد؛ وسمى كل واحد منهم وزيرا؛ ثم قدمهم الى جلالة الملك، فوافقه على اختياره. وبعد تأسيس الحكومة،قام رئيسها في الشعب خطيبا فشرح برنامج حكومته، ووعد الشعب بالسهر على مصلحة البلاد، ورفاهية المواطنين. ما اثار انتباهي في هذه القصة هو ما كان يتنبؤ ويتوقع اليه الكاتب مستقبلا لبلادنا، هل تصدق توقعاته احيانا، وتخطأ احيانا اخرى؟ هذا ما سنجيب عنه في اخر المقال.

كان الفصل 24 من الدستور، الذي يعود إلى لسنة 1962 ينص على ان الملك هو المتحكم في مسألة تعيين الوزير الاول، حيث ينص في فقرته الأولى :”يعين الملك الوزير الاول محددا اختصاص المؤسسة الملكية دون وضع شرط يربط تعيين الوزير الاول بالانتخابات،ومنذ ذلك الدستور استقرت الممارسة الدستورية والسياسية في النظام السياسي المغربي على حياد الوزير الاول، وفي اغلب الحكومات التي تعاقبة على النظام السياسي المغربي.

اسند منصب الوزير الاول في اول حكومة ببلادنا الى شخصية غير منتمية سياسيا وهو امبارك البكاي سنة 1955،بعد ذلك تعاقب عشرات الوزراء عن هذا المنصب، ونقف هنا الى الوزير الاول عباس الفاسي الذي انتهت ولايته سنة 2012.ليس الهدف سرد اسماء اوعدد الوزراء الذين تحملوا هذه المسؤولية، او مدة قيادتهم للحكومة، او التعرف عن انتمائاتهم السياسية ، بل كلهم كانوا يحملون لقب واحد(الوزير الاول

وهذا هو بيت القصيد في قصة “الشعب والحكومة” لاحمد بوكماخ،لان الحكومة التي تأسست في القسم على شكل تمثيلية، والتي مر عليها اكثر من نصف قرن عين على رأسها رئيسا للحكومة وليس وزيرا اولا ،وكان الكاتب يتوقع ان المشرع سيصل يوما ما لتغيير اسم الوزير الاول برئيس الحكومة، وهذا ما تحقق في دستور 2011،وكان اول وزير لقب برئيس الحكومة هو عبد الالاه بنكيران في 3 يناير 2012 والذي عينه جلالة الملك محمد السادس طبقا للمادة 47 من الدستور كرئيسا للحكومة.

وما اثار انتباهي في هذه القصة رغبة كاتبنا مشاركة الاطفال وتؤطيرهم وادماجهم في المجال السياسي وتأسيس

على شكل تمثيلية، لانه كان يتوقع عجز، وفشل الاحزاب السياسية ببلادنا والتي وصلت إلى سن الشيخوخة بالقيام بواجبها التي منحها لها الدستور وحددته المنظومة التشريعية في قانون الاحزاب وهو تكوين المواطنين والمواطنات سياسيا وتشجيعهم على متابعة الشأن العام، هذا ما جعل كاتبنا يفكر في التنشئة السياسية للطفل واهميتها لان التنشئة بشكل عام هي عملية تفاعلية يتم خلالها اكتساب قيم وثقافة المجتمع، وهي تدريجية، ومستمدة من التجارب والخبرات التي تحدث في مرحلة الطفولة، وهي مستمرة فلا تتوقف عند عمر معين وتنتقل من جيل لآخر، ومعها تتشكل شخصية الفرد ويكتسب لغته وسلوكه، ويكتسب الطفل المعارف والمهارات اللازمة لاستيعاب واقع المجتمع وقضاياه، وتعريف الطفل بحقوقه وواجباته، وطبيعة علاقته في المجتمع بشكل يضمن مشاركته في بناء مستقبل وطنه.

ونقطة اخرى اثارت انتباهي في هذه القصة، حيث ذكر الكاتب ان اثتاء انتخاب الوزراء، الحضور كان يتكون من مفكرين، و فلاحين، وتجار، وعمال، ونساء، واطفال، لم يشر ابدا الى تواجد بينهم طبقة امية، لان لا مكان لها في ذلك المجلس انذآك، و ظاهرة السياسي الأمي ظهرت في عصرنا الاخير وما اكثرهم، و الأمية السياسية تغير جهل الفرد باي معلومات سياسية وعدم اهتمامه بالشأن السياسي العام، والامي في السياسة هو ايضا الشخص الذي لا يقرأ صفحات الواقع السياسي والاجتماعي كي يستفيد منه سواء كانت القراءة تاريخية او واقعية، وما يدور حول هذه الوقائع من تداخلات واستنتاجات، فكما انه لا يستطيع ان يكتب في الواقع شيأ، بان يسجل موقفا تستفيد منه الناس في خاضرهم ومستقبلهم، فتتحمل نتائج امية الاجيال بالتخلف والانحسار والفساد الاجتماعي والخلقي وغيرها من التداعيات، وهذا تتحمل مسؤوليته الاحزاب السياسية التي تزكي هذا النوع من مرشحيها، وهدفها حصد اكبر عدد من المقاعد دون النظر لذلك الأمي الجالس عليه.

اذا كنا نطالب بالتغيير، وقاد عملية التغيير نخب امية ضالة مضلة غير واعية ولا متعلمة فانه حتما ستصير البلاد إلى الاندحار والانكسار ولن ترفع لها قامة ولا راية، فالمجتمعات الفاسدة تنتج انظمت وحكومات فاسدة، بدليل ان كل حكومة تأتي، لا يجيئ معها الا ما هو اسوأ ممن سبقتها.

فانه يجب البدء اولا بتغيير عقليتنا نحن تغييرا يصنع من الفرد والجماعة مكونا صالحا ذاتيا، وهو ليس بالسهولة المطلقة كما نراها، انما يحتاج الامر لسنوات عدة عبر اجيال قادمة، تنمو وتترعرع ضمن بيئة تعرف حقوقها ومسؤولياتها تجاه الدولة، و واعية بحجم المخاطر التي تصير اليها في حال سارت على نهج من سبقودهم، تحت مظلة الفساد، لتكون قادرة على بناء دولة وحكومة تحترم ابنائها وتسمع لهمومهم وشكواهم ومتطلبات حياتهم، حكومة تخرح من بين ابنائها الراعين فكريا وعمليا وسياسيا.

في الأخير اتركك عزيزي القارئ ان تجيب على السؤال الذي طرحته في البداية :هل اصاب الكاتب احمد بوكماخ توقعاته ام اخطأ.

2 فبراير 2021
مصدر : ariffino.net.