معركة أدهار أوبران إنطلاقا من مذكرة قاضي من قضاة الريف في عهد مولاي موحند

معركة أدهار أوبران إنطلاقا من مذكرة قاضي من قضاة الريف في عهد مولاي موحند
إن تاريخ المقاومة الريفية يحتاج الكثير من البحث وتقصي الحقائق ليس في الكتب والأبحاث المتواجدة بين أيدينا فقط بل يجب ان يكون البحث ميدانيا؛ فهناك عائلات المجاهدين، أعيان قبائل، و شيوخ دواوير بالريف بصفة عامة وبقبيلة تمسمان بصفة خاصة، لكونها قلب حرب الريف ،يملكون معطيات جد مهمة حول حرب الريف بعضها شفوية تناقلت بين الأحفاد وأخرى مكتوبة باليد كانت مشاريع لمذكرات عن الحرب لم يكتب لها النجاح للخروج للعموم لأسباب مادية أو عائلية ،وكذلك العراقيل التي صادفتهم في الطبع والنشر. فالتاريخ المتواجد بين أيدينا كُتب إعتمادا على مراجع أجنبية خاصةً الأرشيف الفرنسي و الإسباني والانجليزي وعلى بعض المذكرات لمشاركين في الحرب ولكنهم خارج دائرة الصراع و مكان وقوع المعارك في بداية المقاومة.

هذه المراجع رغم كونها تحمل معطيات شبه صحيحة في ما يتعلق بالعدو حيث دون نكساته وهزائمه ؛ قتلاه وخسائره المادية بكل دقة ،و لكن لم يدون إلا جزء بسيط من الحقائق عن المقاومة الريفية ،فما نملكه من معطيات جد بسيطة على ما حدث داخل معسكر المقاومة ؛ولا نملك معطيات دقيقة على عدد القتلى وعن هويتهم ولا الذين ساهموا بتضحياتهم في نجاح المقاومة.

وفي السعي المتواصل لفض الغبار ولو قليلا عن التاريخ الذي لم يدون الجزء الكبير منه،توصلت بمعطيات تمثل كنزا ثمينا بالنسبة لي ولكل باحث في تاريخ المقاومة الريفية والإطلاع عليها جعلني أعيش أحداث ادهار اوبران التي وقعت في بداية القرن التاسع عشر (1/6/1921 ) بزاوية أخرى عكس ما إطلعت عليه سابقا في الكتب التي تحدثت عن ذلك .

ذكرى أدهار أوبران تفتح لنا المجال للوصول لبعض صفحات لمذكرة مكتوبة باليد لأحد أعيان قبيلة تمسمان ،وهو التعباني "محمد عفيفي "إبن قرية أيت تعبان التابعة لجماعة بودينار،الذي كان قاضيا في عهد حكومة مولاى موحند المعين بظهير مختوم بتوقيع الأمير الخطابي.

ولد محمد عفيفي سنة 1882 في قرية أيث تعبان المتواجدة بقبيلة تمسمان ،هذه القرية تابعة لجماعة بودينار وتوجد بالقرب من الطريق الساحلي الذي يربط الحسيمة بالناظور.

محمد عفيفي كباقي أولاد القرية أنذاك إلتحق بمسجد "إعسروين" المتواجد بالقرية كان يُعلمون فيه القراءة والكتابة و يُحفظ فيها القرءان فبعدما حفظ القرءان إنتقل لمسجد تيزة الكائنة بنفس القرية ليتعلم أصول الفقه، ثم إنتقل لدراسة العلوم الشرعية واللغوية إلي فاس مع خمسة أشخاص كانوا أول فوج من قبيلة تمسمان يكمل تعليمه بجامعة القرويين.

بعد تخرجه من فاس بدأ يعمل إماما بعدة مساجد بالريف وخاصة ً مسجد تيزة، ولكن حبه للعلم والمعرفة جعله يشد الرحال مع ثلاثة أشخاص إلى أحد المساجد بالجزائر التي كانت وجهة كل طالب العلم أنذاك ودرس هناك سنة، ثم إتجه ليبيا قبلة العلم في تلك المرحلة ليتابع تعليمه قبل أن يعود للريف وإلي قريته التي كان فيها قاضيا و فقيها.

بعد دخول إسبانيا لأرض الريف وبدأت تتوغل داخل الريف، بدأ هو وبعض أصدقائه يستعدون لمقاومة الإستعمار و كان له دور بارز في المعارك التي وقعت بتمسمان خاصة معركة أدهار أوبران وسيدي أدريس.

كان قاضيا على المنطقة قبل حرب الريف بقيادة الأمير، وبعد تحرير الريف وإعلان الجمهورية الريفية سنة 1921عين مستشارا وقاضيا بظهير موقع من طرف الأمير مولاي موحند وكان يلعب دور مهما في المفواضات التي يجريها الأمير مع الجيش الإسباني.

توفي سنة 1969 عن عمر يناهز (89 سنة) بقرية أيت تعبان و دفن بمقبرة أيت تعبان.

معركة ادهار اوبران إنطلاقا من مذكرة محمد عفيفي :

مذكرة السي لفقي كما يحلو ويحب أبناء ايت تعبان تسميته ،تتحدث عن معطيات مهمة تتعلق بتاريخ الريف وخصوصا ما تعرض له من عدوان من طرف المستعمر أو المخزن إبان فترة 58-59 ولكن في هذه المقالة سنكتفي بما ذكره عن معركة ابران والدور المهم الذي لعبته دواوير تمسمان في المقاومة ،هذه المذكرة تحتوي على أربعة صفحات تتحدث عن المعركة حيث يقول فيها "الحمد لله وحده وفِي عشية يوم الأربعاء قبيل الغروب 22 رمضان عام 1339 هجرية دخل المجاهدون من كان مخيماً بمسجد ثيزا من جهة بني تعبان بأمرى ثم بعد نحو خمس ساعات إلتحق بهم غيرهم الذين كانوا منشغلين بحلق رؤوسهم وإزالة الوسخ اللاحق لهم بأجسادهم و ثيابهم "

يتحدث الكاتب عن مسجد ثيزا التي كانت مركزا للعلم منذ القدم ففيها يُعلّم الأطفال حروف الأبجدية لقراءة اللغة ويُحفّظُ القرآن وتُدرس السيرة النبوية وتفسيرها ،كانت عبارة عن مدرسة لتعليم العلوم الشرعية و وجهة لكل طالب علم من القرى المجاورة خاصةً ومن جميع مناطق الريف ؛ فالمساجد لعبت دور مهم في تاريخ المقاومة المسلحة إنطلاقا من الشريف محمد امزيان إلى جيش التحرير في مثلث الموت ،حيث كانت (المساجد )مركز للإجتماعات و التشاور وضع خطط للجهاد في سبيل تحرير الأرض من المستعمر،يقول الكاتب "من كان مخيم بمسجد ثيزا" وهذا يدل على شيء أخر ربما لم نصادفه في كتب التاريخ التي تحدثت عن تاريخ المقاومة بالريف ولم يسبق أن أشار له أي باحث ،أَن الإستعداد لمقاومة العدو الإسباني لم يكن جبل القامة وحده مركزا للمجاهدين ،بل كانت هناك مراكز اخرى ومتعددة وإن لم تكن بنفس القيمة والدور لكن لعبت دورا مهما في نجاح المقاومة خصوصا المعركة الأولى بتمسمان، ويحيلنا الكاتب على أن لكل ربع من الربوع المكونة لقبيلة تمسمان لها مركز خاص للإستعداد في إطار توحيد المقاومة لطرد العدو وهو كان قائدا لربع ايت تعبان و ورد في المذكرة "ثم بعد نحو خمس ساعات إلتحق بهم غيرهم الذين كانوا منشغلين بحلق رؤوسهم وإزالة الوسخ اللاحق لهم بأجسادهم و ثيابهم" هنا الكاتب يؤكد الفرضية على وجود عدة مراكز يجتمع فيها المجاهدين للإستعداد لمقاومة الإسبان الذي جعل من انوال مركزا لجيشه لينطلق منه للسيطرة على باقي مناطق تمسمان والزحف لباقي قبائل الريف خصوصا قبيلة أيث ورياغل التي كانت حلم إسبانيا لتحتلها ، الكاتب يثبت شيئا اخر حينما تحدث عن الإغتسال وحلق الرؤوس أن المجاهدين كانوا يرتكزون في أعالى الجبال لمراقبة أي تحرك للعدو،حيث في اعالي الجبال لا تتوفر فيها المياه للإغتسال ولا اماكن مخصصة لذلك والهدف من الإغتسال أن يذهبوا للمقاومة طهورين تحسبا للشهادة في سبيل الدفاع عن اراضهم وعرضهم.

يقول الكاتب في مذكراته "تم الإنطلاق من مسجد ثيزا رفقة بوعزا النحاس الذي كان مرشداً وواعضا للجيش، عمر أفقير من جهة التروكوت المسمى بعمار التمسماني ،ومن جهة الشرق بقيادة محمد بن علي التوزاني الماخوخي الشريف الوكيلي ومحمد بن الصالح المرغيني " في هذه المذكرة نكتشف أسماء جديدة ساهمت في كتابة تاريخ الريف بدمائهم وتضحياتهم ولكن لا نعرف عنهم شيء بسبب إنعدام الوثائق التي تتحدث عنهم ،و عدم وجود أبحاث ميدانية ترتكز على الرواية الشفهية لساكنة المناطق المجاورة للأماكن التي وقعت فيها المعارك ،لأن الذاكرة الجماعية لمداشر تمسمان تختزن معطيات قيمة تحتاج لباحثين لتدوينها قبل أن تندثر.

يضيف "دخلوا مركز دهار أبران بالقبيلة التمسمانية يوم إحتلاله ولَم يبت به ليلة واحدة وقتلوا جميع من كان بها من الإسبان وأذنابهم المعينين لهم على إخوانهم" ما كتبه حول هجوم المجاهدين على العدو هو نفسه ما كُتب من طرف من تناول هذه المعركة في كتباته كما يؤكد حقيقة تعتبر وصمت عار على جبين الذين ساعدو المٌستَعمِر لإحتلال أرض الريف. فكانت المعركة بين المجاهديين والعدو الذي كان يقدر ب500 جندي بعدما عاد الجيش الذي جاء للإحتلال أدهار أوبران المقدر بحسب بعض المؤرخين ب5000 جندي (حسب كتاب عبد الكريم ودوره في تحرير شمال إفريقيا وهذا ما ذكره أيضا محمد محمد عمر بلقاضي في كتاب اسد الريف ) ولكن الأرشيف الإسباني قدر العدد ب1500 وبقي 500 مرابط بدهار اوبران والأخريين رجعوا لأنوال ( وهذا ما ذكرته المؤرخة الإسبانية الشهيرة ماريا روسا في كتابه عبدالكريم والكفاح من أجل الإستقلال).

كانت هذه المعركة مفصلية في تاريخ المقاومة الريفية حيث وفرت للريفيين عتاد حربي وعزيمة قوية للإستمرار في تحرير الريف ويقول الكاتب في مذكرته حول هذا الامر ما يلي " وغنموا جميع ما كان به من الأخبية والفرس والأسلحة والخيل والبغال والمأكولات "ويضيف "ولَم ترى إلا من بيده من المجاهدين خمس بندقيات أو أكثر أو أقل ومثل ذلك خيلا وبغالا وفرسا" .

الكاتب يؤكد ما كتب عن عدم مشاركة مولاي موحند في معركة أبران و عدم إعطائه الأوامر للإنقضاض على العدو حيث يقول "فرحة سماع الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي خبر إنتصارنا من أجل الريف والوطن الذي لم يشارك فيها ولَم يعطي أي أوامر في هذه المعركة، كان يومها في إجتماع يناقش القبائل المجاورة من أجل إنضمامها تحت قيادته"

معركة أبران كانت حاسمة في تراجع العدو وإنهزامه وفي إتحاد الريفيين تحت قيادة الأمير الذي إنسحب من إمزورن مكان الإجتماع مع أعيان قبيلة أيت ورياغل فور سماع خبر نصر أبران؛ لأنه كان جوابا كافيا لمن كان يعتبر إسبانيا قوة لا يمكن هزيمتها.

في أدهار أوبران كتب السطر الأول في تاريخ المقاومة الريفية تحت قيادة الأمير بمداد الشهداء وعلينا نحن أن نقاوم من أجل رد الإعتبار لتاريخنا ولمن إسترخص دماؤه دفاعن ارض الريف.

الجمعة 3 يونيو - 19:48
مصدر : nadorcity.com.