حسن حلحول ابن الناظور و المحام بهيئة الرباط يكتب..محددات السياسة الجنائية وأثرها على العقاب

حسن حلحول ابن الناظور و المحام بهيئة الرباط يكتب..محددات السياسة الجنائية وأثرها على العقاب
بقلم الأستاذ حسن حلحول محام بهيئة الرباط

إن تحديد مفهوم السياسة الجنائية ،يخضع أساسا لمعيار تطور الجريمة، وهي التدابير والإجراءات القانونية والإدارية ،التي تعمل الدولة على سنها، اقتضتها ضرورة وجود الصراع الدائر بين الجريمة والمجتمع حسب الظروف الزمانية والمكانية المحددة لمحاربة الجريمة ليسود السلم والأمن والاستقرار داخل البلد وهو أساسي لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.

فهناك مفهومان للسياسة الجنائية الضيق والواسع،

الاول : السياسة الجنائية بمفهومه المضيق، يمكن اختزاله في مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ولكي نفسر أكثر يعني أن الدولة تسخر جميع الآليات والإمكانيات المادية والبشرية، لكبح الجريمة ولا تتقيد باحترام حقوق الإنسان ،المهم هو تحقيق الغاية التي هي مطلوبة لذاتها للقضاء على الجريمة ولا يهم الخروقات الأمنية لأن الهدف الأسمى هو محاربة الجريمة ، وهذا المفهوم التقليدي كان سائدا في القرن التاسع عشر والعشرين، حسب خصوصيات المجتمع لكل دولة،ويمكن تحديد هذا المفهوم الضيق من كونه مجموعة من القواعد التي تفرض نفسها على الدولة والمجتمع واعتمادها لشرعنة عملية محاربة الجريمة دون اعتبارات أخرى.

ثانيا ،: السياسة الجنائية بمفهومه الواسع :هو المفهوم الذي جاء نتيجة تطور الفكر الإنساني تجاه الإناسوية الحقوقية وتعني جميع الجهود الممكنة والجارية حول الإنسان ،وهي دراسة حول تطور حقوق الإنسان ،وتاريخ حقوق الإنسان الطبيعية ، التي مناطها الثوابت الأساسية المتمثلة في الحرية والعدالة والكرامة.

لقد تبنت هذا المبدأ كل الدول الديمقراطية التي أعطت الأولوية لمبادئ حقوق الإنسان باعتبارها كونية ،لتحقيق التوازن بين مواجهة تحديات الجريمة بسن تشريعات جزائية رادعة وتشديد العقاب ، والبحث في الأسباب التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة الإجرام وطرق علاجه وتحديد مكامن الخلل الذي جعلها أن تستفحل بشكل مرعب ومخيف تهدد أمن الاجتماعي واستقرار والأمان النفسي للإنسان.

وهذا المفهوم الواسع للسياسة الجنائية ،صار في عصر الانترنيت له بعدا آخر وأهمية كبيرة بعد التطور الذي عرفته الجريمة الإلكترونية، وما سيأتي شيئ مهول وفضيع عندما يتم إنزال وتطبيق الجيل الخامس بخصوص الجرائم الحق العام السيبرانية.أضف إلى ذلك الجريمة العابرة للقارات التي أصبحت ظاهرة دولية يتجاوز خطرها الدولة الواحدة ، كما أن خطورة الاعتداء على أجهزة الكمبيوتر يعرض الدول والافراد للخطر الكبير باعتبار أن كثير من الأسلحة الفتاكة مرتبطة في استعمالها بالانترنت، وهذا التحدي يجعل السياسة الجنائية ومعها السياسة العامة للدفاع الاجتماعي أن تعمل بشكل سريع لتكافح هذا النوع من الجرائم الجديدة التي كل يوم في تطور أسرع.

تشترك السياسة الجنائية والسياسية العامة للدفاع الاجتماعي في الهدف وهو مكافحة الجريمة ، س،ع ،د،ج، تكافح الإجرام بصفة ظاهرة عامة والسعي إلى القضاء عليها ، وتوجه إلى المواطنين عامة .

أما السياسة الجنائية فإنها تقتصر على معالجة الجريمة بواسطة العقوبات،فلا يتوجه إلا الى نوع معين من المواطنين وهما المجرم والمتهم أومن توفرت لديه الخطورة الارهابيين، تهدف إلى تطوير القانون الجنائي في مجال التجريم والعقاب،يستفاد أن س،ع،د، ج، تستغرق س،ج.

يمكن القول أن تطور الجريمة في هذا العصر بشكل سريع يفرض أن تكون هناك موسوعة السياسة الجنائية العالمية، أو يمكن القول إن صح التعبير عولمة السياسة الجنائية وإحداث وحدة القانون الجنائي وخاصة في الجرائم الإلكترونية المرتبطة بالانترنيت، وإن كان هذا المطلب صعب في الوقت الراهن، لماذا ؟ لأن القانون الجنائي صار منذ زمن غير بعيد يستعين بحقول معرفية أخرى كالبحث في التكنولوجية الحديثة التي تستعمل آليات الإنترنت وعلاقتها بالاجرام وظهرت جرائم بكثرة في زمن كوفد 19 الذي تم فيه الاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير عوض التجارة المباشرة،….البحث في سوسيولوجية القانون ،وفي سيكولوجية القانون ،وفي ابستمولوجية القانون.وان كانت هذه الحقول عند دراستها تختلف من دولة لأخرى.

يمكن تقسيم السياسة الجنائية إلى قسمين: عامة وخاصة

وهي التي تكون عن طريق مقاربة محاربة الجريمة بصفة عامة ،وتتغير بتغير أولوياتها تمليها الظروف الاجتماعية ،كانتشار ظاهرة العنف ضد المرأة ، وتارة حماية الطفولة جرائم الأموال وغيرها من الجرائم التي تحدث اضطرابات اجتماعية واقتصادية داخل الدولة .

ويلاحظ أن هذا النوع من السياسة الجنائية ترتكز على مركزية القرار، ولا يسمح للوكلاء العامين للملك بنهج سياسة جنائية تقتضيها خصوصيات المنطقة التي يتواجد فيها ونوعية الإجرام المنتشرة فيها ، وإنما يقدمون إحصائيات حول نوعية الجرائم في دوائرهم القضائية وينتظرون توجيهات من المركز اي رئاسة النيابة العامة ، فإذا كان الرئاسة مصدر القرار لا خلاف في ذلك ، يبقى أن تمنح للوكلاء العامين للملك أن ينهجوا السياسة الجنائية الملائمة حسب خصوصيات المنطقة التي يتواجد فيها، في إطار اللامركزية القرار، ومن المؤكد أن تكون السياسة الجنائية ناجعة للقضاء على الجريمة .فإذا كانت مقتضيات المادة 48 من المسطرة الجنائية تنص على ان” يمثل النيابة العامة أمام محكمة الاستئناف الوكيل العام للملك شخصيا بوصفه رئيسا للنيابة العامة أو بواسطة نوابه…” فإذا كان هذا النص ورد في ق م ج قبل استقلالية مؤسسة رئاسة النيابة العامة ،فإنه في الحقيقة في الأصل يجب الإبقاء عليه لأنه لا تضارب في الاسم بينه وبين رئيس مؤسسة النيابة العامة المحدث بموجب قانون 33/17 المتعلق بنقل الاختصاصات اليها, غير أنه يلزم أن يطاله تعديل يتطابق مع الغايات المتوخاة من السياسة الجنائية ،وهي أن الوكيل العام بمحكمة الاستئناف يفوض له مطلقا دون الرجوع الى رئاسة النيابة العامة لتحديد السياسة الجنائية حسب خصوصية ونوعية الجرائم المنتشرة داخل الدائرة الترابية التي يمارس فيها اختصاصه

إن هذه السياسة الجنائية الخاصة لها أهميتها الخاصة نظرا لطبيعة الملفات التي تحتويها ، لما لها من ارتباط وطيد مع الرأي العام الوطني والتأثير فيه بشكل كبير ، ويكون لها امتداد داخل المجتمع وخارجه ، تقتضي التتبع الآني وسريع ، تعود فيه القرار الى المركز اي إلى رئاسة النيابة العامة لتجنب أي خطأ محتمل وضمان أن تكون القرارات سليمة وقد نحددها في اربعة معايير:

معيار الصحافة والنشر وأهمية ما ينشر خصوصا في هذا الوقت الذي كثرت فيه الجرائد الإلكترونية بواسطة التواصل الاجتماعي تويتر فايسبوك يوتوب ، مما جعل النيابة العامة في تتبع مستمر للقضية في جميع المراحل بدءا بالبحث التمهيدي إلى الدعوى العمومية.

معيار اهتمام الرأي العام بالقضايا ملف باطما على سبيل المثال ، التي يتابعها الرأي العام غالبا ما يكون بواسطة التواصل الاجتماعي.

معيار الأشخاص موضوع المتابعة ،وهو يتعلق بالشخصيات ذات وزن في السياسة وفي المال والأعمال وفي النجومية وفي الفن وغيرهم ، وهذا النوع من القضايا لهؤلاء تتابعها النيابة العامة بشكل آني سواء كانوا متهمين اوضحايا

معيار خطورة الفعل الإجرامي غير العادي، كارتكاب الفعل بالسلاح الناري في الانتخابات وفي نقل المخدرات وفي ارتكاب الأفعال الإرهابية وغير ذلك من الأفعال بالسلاح الناري أو عندما يكون الضحايا كثر.

إن الخيارات التي أخذت بها السياسة الجنائية بالمغرب، لم تعطي النتائج المرجوة منها ، وذلك راجع إلى أنها تعرف تعثرات كبيرة على مستوى التطبيق خصوصا فيما يتعلق بمحاربة الفساد والإثراء من المناصب الإدارية العليا كرؤساء الإدارية الذين يتحملون مسؤولية الجماعات والمؤسسات المالية الكبرى ونموذج التنموي يؤكد على ذلك ويحث بالقضاء عليها،كما ان إلى حد الآن لم يتم تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل واسع، وكذلك لم يتم الحسم في كيفية تطبيق فعليا التصريح بالممتلكات، وكيفية تفعيله على مستوى الواقع،

فهذه الوسائل التي تدخل في السياسة الجنائية الى حد الآن بقيت حبرا على ورق ،ولن يتأتى ذلك إلا بتحديد مفهوم جديد للفساد الذي يعرف عدة تمظهرات أهمها تضارب المصالح ،وفق المخرجات الذي جاء به النموذج التنموي الجديد.

إن السياسة الجنائية تبحث في مظاهر ومعالم الجريمة ومن ثم في العقاب الذي يعتبر ركنا محوريا وأساسيا لبناء السياسة الجنائية لكل بلد بناءا سليما وعقلانيا، فما هي العلاقة التي تربط السياسة الجنائية بالعقاب؟ هل هي علاقة محايثة جوهرية متصلة و لصيقة بها؟ ام هي علاقة ثانوية هامشية منفصلة بعيدة عنها؟.

4 نوفمبر 2021
مصدر : ariffino.net.