الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين : ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة الليبية عزة كامل المقهور

الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين : ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة الليبية عزة كامل المقهور
أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم: رضوان بن شيكار

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

ضيفة حلقة الاسبوع الكاتبة الليبية عزة كامل المقهور

الكاتب خاصة في الابداع القصصي الواقعي يتواجد في كتاباته بقوة، وما على القارئ الذي يهمه معرفة كاتبه إلا التمعن في ابداعه. لا أقول إن المنتوج الأدبي مرآة عاكسة للكاتب، لكن ذاته ونفسه وأفكاره وميوله فيها. وبشكل مباشر أقول أنا أم لأربع بنات، وأم لأربع مجموعات قصصية، محامية وابنة الأديب والقاص كامل حسن المقهور.

ماذا تقرأين الآن، وما هو أجمل كتاب قرأته؟

دعني أقول لك أنني أقرأ بشكل مختلف الآن. أقرأ وأتأمل ما حولي في الطبيعة.. أمارس الرياضة في الهواء الطلق، واتنزه في الغابات والأحراش، وأسبح في البحيرات الواسعة والباردة. هي قراءة لما حولي وتنتهي بقراءة ذاتي. أقرأ الكثير في تخصصي

واتابع المقالات بأنواعها. أما عن أجمل كتاب قرأته فهو كتاب “الفتنة الكبرى” لطه حسين.

كتبت القصة القصيرة حين قررت القصة ءكالجنين المكتملء أن تخرج إلى النور. خرجت على الورق دفعة واحدة مكتملة الملامح، فصرخ القارئ الأول أنها جميلة وبصحة جيدة. ها أنا اشبه القارئ بالطبيب، هو الحكم الذي يشخص الجنين ويعطيه شهادة الميلاد، فيما أنا اعطيه الاسم الذي سيلتصق به إلى الأبد. كان مستحيلا بالنسبة ليّ أن اكتب في حياة والدي فهو الكاتب الكبير ومن رواد القصة القصيرة في ليبيا، لكنني بحكم مصاحبتي له باعتباري محامية وشريكة له في مكتب المحاماة، وساعده الأيمن، كنت أعيش ارهاصات الكتابة دون وعي. كنت أول من يقرأ له قبل الطباعة أو اثنائها واحيانا اضطر لطباعة القصة، وأول من يراه في حالة الإبداع، وأول من يبدي رأيه فيها. كنت كإسفنج ممتليء حتى فاض ذات يوم وانا اربعينية في مكتبي دون وعي مني، فكانت القصة القصيرة. أما ماذا أكتب.. فالإجابة في قصصي المستوحاة من مخزون بصري ممتد على مدار عمري.

ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟

إنها طرابلس! على رابية في منطقة “الظهرة” التي تهبط نحو البحر بشارع ضيق قبر أبي واجدادي، ومزرعة صغيرة “سانية” كانت لهم طالها العمران لكن قبورهم ما تزال على حالها.

هل أنت راضية عن انتاجك؟ وما هي اعمالك المقبلة؟

الرضا شعور مهم طالما نحيا.. وهو في الكتابة شعور متجدد ودافع لاستمرار العملية الإبداعية. كتبت سلسلة بعنوان “الغابة”، وهي حكايا رحلتي اليومية سيرا على الأقدام في الغابات الثلجية على مدار ثلاث سنوات. أنقر بأصابع مرتعشة وسط الغابة المكسوة بالبياض أو اكتب في داخلي، كما أمارس فيها هواية التصوير الفوتوغرافي، وما أن أعود إلى البيت، اخلع حذائي المبلل وأكتب مباشرة وأنشر في ذات اليوم رفقة صورة التقطتها للمكان. انغمست في هذه التجربة ثلاث سنوات ونتاجها ينتظر أن يحتويها كتاب.. لكن لغنى التجربة وذاتيتها أتمنى أن تنشر بإخراج مميز يليق بها.

متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟

تسألني عن الحرائق وأنا امرأة من بلد يعيش صراع دامي وحرائق القلب عليه لا تنطفأ. دعني أكون إيجابية وأقول ” كلما احترقت قلوبنا، ابدعنا”. المحن تولد ابداعا لا يحترق. لن اعتزل إلا إذا شاء الله ذلك.

ما هو العمل الذي تتمنين أن تكوني كاتبته؟ وهل لديك طقوس خاصة للكتابة؟

عمل لم يكتب بعد. لا تتصور كم أنا سعيدة بتحرري من طقوس الكتابة! اكتب في الغابات، على سفوح الجبال، في حجرة نومي وفي الصالة على الكنبة وسط ضجيج أطفالي.. انقش كلماتي في ذاكرتي احيانا واسرع لنقرها على جهاز نقالي، وأكتب كثيرا على متن الطائرة وخلال الترانزيت.

هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟

المثقف غير المبدع.. الابداع حالة من الحساسية والخلق.. تشبه حالة الوضع من وجهة نظري. الثقافة حالة واسعة وذات أوجه متعددة وقد لا ترتبط بالثقافة بمفهومها الضيق المتعارف عليه. في رأيي أن كل من يتقن عمله مثقف في مجاله. ونحن في هذا القرن متعدد الثقافات بفعل وسائل ووسائط الاتصال والتطور التكنولوجي المبهر، فإن المفهوم التقليدي للمثقف انتهى. الثقافة اليوم تأتي اليك حيثما كنت بضغطة زر فيما كان “المثقف” سابقا يلهث للحصول على المعلومة. لذا مفهوم المثقف اليوم تغير، قد لا يكون مؤثرا ولا مغردا خارج السرب، هناك اليوم من يمتهن التأثير كمهنة، وهناك من يفضل أن يغرد خارج السرب. المثقف قد يكون شخصا عاديا يعيش في الصين ويؤثر في تنزانيا، وقد يعيش في قرية ويؤثر في حدود قريته، لكن التأثير الأبقى يكون من خلال الإنتاج الإبداعي.

ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية أقل بسبب الحجر الصحي؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟

أعتقد أنك تقصد العزلة بسبب وباء الكوفيد 19. كانت تجربة استمتعت بها شخصيا. التم فيها شمل اسرتي وعاد للبيت دفئه، بل عدن بناتي صغارا في كنفي وبدأنا معا فصلا جديدا من علاقة أسرية جميلة. لم اتوقف في هذه التجربة عن ممارسة الرياضة في الهواء الطلق مع التباعد الاجتماعي بطبيعة الحال، والرياضة بالنسبة لي حالة انطلاق وحرية لذا لم أشعر بقيد على حريتي. العزلة في حالتنا هذه لها قيود قانونية بطبيعة الحال، لكن الفضاء الالكتروني وفر مجالا آخر من الحرية علينا أن نستفيد منه ونستمتع به.

لست ماضاوية ولا رغبة لي في العودة حتى للأمس.

ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

لا ارغب في هذه الفرصة، أولا لأنها مستحيلة وثانيا لأنني لا أحب العمليات التجميلية. أرى سؤالك هذا وكأنه عملية تجميل ستحيلني إلى شخص آخر وهو ما لا أريده قطعا.

ماذا يبقى عندما نفقد الاشياء الذكريات أم الفراغ؟

الفقد بالنسبة لي هو الفقد البشري وهو الفقد الأكبر. فقدت شقيقي الأصغر الذي كنت احبه حبا جما، ترك فقده اشتياقا جارفا.

إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل إلى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز؟ إلى دهاء وحكمة بلقيس لأم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟

أنا محامية وأؤمن بالنص. النص الدستوري يضمن الحقوق والحريات كاطار عام ثم يأت القانون في المرتبة التي تليه وهو الأمر الذي يحتاج إلى تجديد وعمل مضني وخلاق لكي يجد النص الدستوري صداه ومبتغاه. الحقوق والحريات بشكل عام باتت ذات بعد دولي من خلال المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إضافة إلى بعدها الوطني من خلال الدساتير الوطنية التي تترجم الأدبيات الدولية في أغلب الأحيان. تبقى الإشكالية في آليات التطبيق وهنا بالذات يتعين تحقق النوايا الحسنة والإرادة السياسية والتطور المجتمعي وكلها عوامل لازمة لوضع النصوص موضع التطبيق. وهي عوامل في الغالب صعبة المنال. مثلا التطور الاجتماعي يحتاج إلى زمن. لذا يظل القانون هو أفضل ضمانة والحلم هو أن يصاحبه “كود اجتماعي” يضمن للمرأة حقوقها وحرياتها كمواطن. هناك عوامل أخرى مهمة كالتعليم والعمل والتواجد في الفضاء العام ، وحرية التعبير و الحق في الابداع ، وكلها تدعم عملية المساواة. أنا أعتبر أن أول الغيث “نصا” يحمي الحقوق والحريات.

صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن مجموعتك القصصية الأخيرة “امرأة على حافة العالم” كيف كتبت وفي أي ظرف؟

امرأة على حافة العالم تمثل المرأة والزمان والمكان.. تلك التي تقف على حافة العالم، امرأة صقلها الزمن، ركضت كثيرا حتى وصلت إلى الحافة، ذاك الجرف الذي عليها أن تقرر فيه في تلك اللحظات وفي ذلك المكان أي منحى ستأخذ. في هذه المجموعة قصص المرأة الخمسينية في قصة عند الخامسة والخمسين، المرأة الشبيهة بحبة الفول السوداني التي تودع مخدع النار ثم تنال الضغط والتقشير والطحن في قصة “قشور الكاكاوية”. قصص أحيانا بلا مكان معين وأخرى تدور في أمكنة محددة بشكل تفصيلي، فقصة الرجل وقصة الرصيف يمكن أن تكونا في أي مكان لأنها قصص “داخلية” تدور داخل عقل وقلب الإنسان

المرأة، أما قصص “تيزان” و” صاحبة الفولكس” و “بائعة الورد” و “جورج وأنا” و” قطار منتصف الليل”. فمكانها “باريس” التي كتب عنها مئات الكتّاب، لكنني أزعم أنني كتبنها بشكل مغاير لا يشبه أحدا. أما قصصي الأخرى فكان مسرحها مدينتي طرابلس التي اعتمدت فيها على ذاكرتي دون غيرها بسبب غيابي عنها في الفترة التي كتبت فيها هذه المجموعة، لكنها دائما الحاضرة في القلب.

ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟

الابداع هو الكشف عن إنسانيتنا وهو في ذات الوقت تعميق وتجذير لهذه الانسانية.. هو المظهر عن مكامن النفس الإنسانية. أنا مواطنة من بقعة تشهد صراعات مسلحة، ولا أرى خروجا من هذا النفق إلا بأنسنة انفسنا وتأثيثها وتهذيبها وتشذيبها بالإبداع، هو المخرج نحو مصالحة وطنية حقيقية. المجتمعات التي تهتم بالخلق والابداع والثقافة لا تنزلق نحو الخصام والصراع والحروب.

القراء أنواع.. هناك من تعرفه وهناك من تألفه وهناك من تلتقي به مصادفة وهناك من لا تعرفه. وفي كل الحالات فالقارئ يعرف كاتبه، والقارئ الجيد هو من يقرأ كاتبه من خلال كتاباته ولا يكتفي بما فيها من كلمات وجمل. أحب كل قرائي، واستمتع كثيرا بذلك الذي يقرأني ويعرفني ويفهمني. الكاتب يعتقد أحيانا مخطئا أن العلاقة مع القارئ من طرف واحد.. أنا أؤمن بأنها من طرفين وأنها حمالة أوجه. دور النشر الليبية لديها إشكالية في التوزيع، وما لم تتكاثف الدول الناطقة بالعربية على الاهتمام بنشر الكتاب ودعمه يظل الانتشار محدودا. لكنني سعيدة جدا بالمنتديات الثقافية التي ازدهرت في ظل وباء “الكورونا” والتي جمعت الكتاب العرب على المنصات الالكترونية للنقاش والمشاركة والنقد. كما أنه من المهم الإشارة إلى ضعف حركة الترجمة التي كانت مزدهرة في القرن الماضي في بعض الدول العربية وأخص مصر ولبنان، وأتمنى أن تعود آلية الترجمة إلى نشاطها. المنطقة تعيش عدم استقرار واضطرابات اقتصادية وحروب حتى يكاد أن يصبح الكتاب ترفا.. لكن الحمد لله أن هذا الفضاء سهل عملية النشر ودعمه.

كيف ترين تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟

العالم الحقيقي يضيق بينما العالم الافتراضي يتسع. أنا سعيدة جدا بهذه البقعة الضوئية السيبرانية. سعيدة بمصافحة القارئ مباشرة، وسعيدة بالنشر الفوري لقصصي وهي طازجة وساخنة وغنية “بالفيتامينات”. لي تجربة خاصة وممتعة جدا، وهي إنني أشارك القارئ أحيانا قصصي قبل الكتابة أو اثنائها. هناك مثلا أماكن بهتت في مُخيلتي بسبب غيابي عن البلاد فيسعفني القارئ ويتفاعل معي. وأحيانا استفسر عن كلمات أو جمل أو أمثال باللهجة العامية احتاج لبعض الاستفسارات حولها، وفي كل مرة أجد القارئ مساعدا وموضحا وشارحا. اضع الإدراج “البوست” على الفيس بوك واخلد إلى النوم، ليسكب القراء عسلا وحليبا على صفحتي ويتفاعلوا مع بعضهم البعض بشكل جميل وراق، يسعد قلبي ويفرحني كثيرا وأشعر أن للقارئ نصيب من هذه القصص.

الأجمل هي انجابي لبناتي الغاليات.. أثمن هدية. وهي تجربة جسدتها في قصة ” نزيف إثر آخر” المنشورة في مجموعتي امرأة على حافة العالم. فقدان الأحبة هي أصعب تجربة بلا شك.

شكرا لك. ولولا هذا الفضاء الأزرق لما التقينا. الحمد لله

1 نوفمبر 2021

مصدر : ariffino.net.