باحث يرصد ثنائية الحرب والسلم في فكر محمد بن عبد الكريم الخطابي‬

باحث يرصد ثنائية الحرب والسلم في فكر محمد بن عبد الكريم الخطابي‬
خلصت ورقة بحثية منشورة في “مجلة الذاكرة” المعنية بتاريخ الريف إلى أن “معركة أنوال شكلت نقلة نوعية على مستوى القيم التي ينبغي اعتمادها والسير عليها”، مبرزة أن “الدول الأوروبية اصطدمت بشمال المغرب مع أحد رواد النهضة المغربية الحديثة؛ ليشكل امتدادا قويا لحركة الفكر التجديدي قوامه القيم الإنسانية الطبيعية، وعدم الانخداع بالشعارات الأوروبية”.

وأوردت الورقة، التي أعدها إلياس الهاني، أن “حركة محمد بن عبد الكريم الخطابي، وهي تشق طريقها نحو العالمية، لم تكن لتنحبس في الإستراتيجيات الحربية، وإنما تجاوزت ذلك إلى تأسيس براديغم جديد للقيم، أساسه السلام، وطريقه الحرية، وهدفه بناء المشترك الإنساني والإقرار بالاختلاف العقدي والديني بين الشعوب”.

وأشارت الورقة، المعنونة بـ”ثنائية الحرب والسلم في فكر محمد بن عبد الكريم الخطابي وتجلياتها في معركة أنوال”، إلى أن “الاستعمار الأوروبي للدول والشعوب مبناه على استغلال واستنزاف ثرواته، وليس تمدينه وتحديثه كما ادعته دوائر الاستعمار. كما أن تجربة محمد بن عبد الكريم الخطابي ثرية بالرؤى والتصورات التي تجعلها جديرة بالدراسة والاهتمام”.

وتابعت المقالة، المنشورة في “مجلة الذاكرة” التي يصدرها مركز الريف للتراث والدراسات والأبحاث بالناظور، بأن خوض الخطابي لـ”الحروب مبناه على الاضطرار وليس الاختيار، وهو ما تواتر تأكيده في تصريحاته وأقواله؛ وهو ما تجلى في معركة أنوال الخالدة التي بقيت نموذجا لتغيير حركية القيم القائمة لما حادت عن الجادة والصواب، وبما أفرزت من تغيرات، جعلت منها درسا ألهمت دوال وشعوبا لتنال استقلالها وحريتها”.

وأكد إلياس الهاني أن “العدد والعدة الإستراتيجية الحربية ليست السبيل الوحيد للنصر والهزيمة، وإنما توجد معايير أخرى غير القوة المادية التي اعتمدها الإسبان؛ منها الاستنهاض الذاتي وبناء المجتمعات المحلية والحركة العمرانية الكفيلة بهزيمة أعتى المعدات والدول”، ثم زاد: “تتمثل مركزية القيم الإنسانية عند الخطابي في الحرية والسلم والتحديث وبناء المشترك الإنساني”.

ولفت الباحث في سلك الدكتوراه بجامعة محمد الأول في وجدة، ضمن الورقة، إلى أن “معركة أنوال كانت لها أبعاد إصلاحية في مجالات سياسية وعسكرية ودينية واقتصادية واجتماعية وتربوية وصحية؛ بل وكانت لها آثار تجسدت في العديد من الثورات العالمية كالفيتنامية والصينية وغيرها، يقف الدارس أمامها بكل إعجاب ليستلهم قواعد في فن الحرب والتحرير، وقيم التنوير والحضارة”.

وأمام التوسع الإسباني بمنطقة الشمال خلال مطلع القرن العشرين، برزت حركة مقاومة مسلحة للاحتلال العسكري الإسباني في إقليم الريف، وفق الكاتب الذي أشار إلى تركزها في الأرياف، وتميزها بالطابع العفوي المقترن في بعض الأحيان بالجهد المنظم، إلى جانب الاندفاع العام للمواجهة والارتفاع فوق النزاعات المحلية إلى الالتحام.

وفي ظل الانتصارات التي حققتها حرب الريف التحريرية، أصبحت معركة أنوال تجسيدا لكل “أنواع معاني التغيير والنزوع نحو التحرر”؛ بل اعتبرها الباحث “صيحة ضمير ستغير الكثير من ملامح العالم، وستوقف نظريات المركزية الأوروبية لتعيد تقويم تجربتها الحضارية؛ فأضحت تمثل عنصر هوية، وليس مجرد إفراز غريزي، أو تعبيرا عن روح قتالية تمليها ظرفية معينة”.

واستطرد الباحث عينه: “سجلت نمطا جديدا وطفرة نوعية من الكفاح، أدت إلى بلورة أسلوب متطور من الفكر السياسي والإستراتيجي، أصبح فيما بعد مرجعا معتمدا لدى الحركات التحريرية في العالم. ومما لا شك فيه أن الفضل في هذا التوجه الجديد الذي عرفته المقاومة الريفية يعود أساسا إلى الشخصية القوية والمتزنة لمحمد بن عبد الكريم الخطابي الذي رفض كل مساومة، وترك جانبا كل الاعتبارات والحسابات التي لا تخدم هدف الاستقلال الشامل”.

ومن جملة مظاهر ملحمة أنوال، وفق الورقة، “نزوع الخطابي نحو السلم وعدم الانجرار للحرب إلا لضرورة قصوى، ودعوة الاحتلال إلى الاحتكام للقيم الإنسانية التي يدعو إليها وإعطاء الشعوب الأخرى حق تقرير مصيرها، ودعوة الغرب للتعاون التعايش الإنساني المشترك، وتفعيل دور الدبلوماسية الأممية، وبناء نهضة ريفية”.

31 أكتوبر 2021
مصدر : ariffino.net.