الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين : ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة و الكاتبة فوزية بندادا

الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين : ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة و الكاتبة فوزية بندادا
أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم:رضوان بن شيكار

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل اسبوع مع مبدع اوفنان اوفاعل في احدى المجالات الحيوية في اسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

ضيفة حلقة الاسبوع الشاعرة و الكاتبة فوزية بندادا

فوزية بندادا حاصلة على دبلوم في تسيير المقاولات موظفة حكومية أم لثلاث بنات مثقفة عصامية عاشقة للفلسفة وللخير والجمال ومهووسة بالسؤال .. قد يستغرق الأمر معي عدة صفحات لأطفئ جماره .

ماذا تقرأين الآن وماهو اجمل كتاب قرأته ؟

الآن أقرأ كتاب هروبي إلى الحرية لعلي عزت بيجوفيتش آراؤه في الفن والفلسفة والسياسة من خلال تواجده بزنزانة ، تنطوي صفحاته على أفكار خاصة به مع تقاطعات مهمة في الرأي . بالنسبة لي أجمل كتاب قرأته هو “هكذا تحدث زرادشت ” لنيتشه .. كتاب يتحدث عن القيم وعن البحث عن الحقيقة حقيقتنا عبر الهروب بالذات نحو طبيعتها مجردة من كل هدف قد يتحقق عبر أساليب دنيئة مؤمنا بتفوق الإنسان وتعاليه ، ومع أن فكرته ” موت الإله ” تبدو في ظاهرها تعبيرا عن الإلحاد لكنها في جوهرها قد تعني رغبته في التخلص من كل ما هو محنط ثابت ونموذجي باعتبار أن التطور يجب أن يجد مجراه .. ينبذ الضعف البشري من خلال التبعية وعدم الإرتقاء بالذات .. على العموم وبالرغم من توجهه الفلسفي المتغلغل في النفس البشرية وآرائه الجريئة والساخرة بشكل لاذع فلابد للقارئ على اختلاف مرجعيته أن يجد أفكارا أو فقرات تتماهى وقناعاته .. وهذا مصدر أهمية هذا الكتاب . كذلك يعجبني فكر ابن رشد المنفتح على عدة حساسيات معرفية وفكرية بالرغم من كونه مسلما لإيمانه بأن الفكر أي فكر قد يشكل قيمة مضافة سواء عبر الإستفادة منه أو عبر مساءلته بعيدا عن الإدانة الجاهزة وذلك للإرتقاء أكثر بمداركه وجعلها متأهبة لمواكبة التطورات الحاصلة على أكثر من مستوى .

بدأت الكتابة حين ألحت علي ، كنت قارئة نهمة منذ صغري كان أبي مدرس لغة عربية وكان يمدني بالقصص تدريجيا قرأت سلسلة عطية الإبراشي وبعدها سلسلة جرجي زيدان ثم المنفلوطي وجبران خليل جبران إلى أن استقلت باختياراتي وأصبحت مدمنة لروايات نجيب محفوظ وعبد الحليم عبد الله وإحسان قدوس وبنت الشاطئ ونوال السعداوي .. كل هؤلاء كان لهم الفضل في تشكل وعيي المعرفي والحسي والجمالي .. وأذكر أني كتبت أول قصيدة في الرابعة عشر من عمري . كانت بعنوان ” غريبة أنا ” كنت أشعر بأن وعيي سابق مقارنة مع أقراني ما كان يشكل هوة بيني وبين محيطي المجايل .

ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين الى التسكع في ازقتها وبين دروبها؟

أنا عاشقة للبحر وللسفر ولا توجد مدينة معينة بخاطري فالأماكن بالنسبة لي لا يمكن فصلها عن الزمن الذي عشته بها لذلك قد أحن لمكان وفي الحقيقة أحن لزمن ما ..

هل انت راضية على انتاجاتك وماهي اعمالك المقبلة؟ بنسبة ما نعم فقد أنجزت عدة أعمال مسرحية اشتغلت بها كمصممة ملابس حظيت من خلالها بجائزة وطنية بمكناس .. ثم اشتغلت ككاتبة في ثلاثة أعمال مسرحية بالأمازيغية حظيت بدعم من وزارة الثقافة عرض منها اثنان بالقناة الأمازيغية وكذلك اشتغلت كمخرجة وكاتبة .. لكني اشعر بأني لم أحقق نسبة الرضا عن الذات في هذا المجال كوني انسحبت لمدة طويلة وانجرفت للشعر . وبالنسبة لأعمالي المقبلة فستكون روايتين على الأقل تلحان علي في آن واحد .

متى ستحرقين اوراقك الابداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟

أما بالنسبة لفكرة اعتزال الكتابة سأجيبك بكل بساطة بأني لم أختر البداية كي أختار النهاية .

ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟

أعمال عدة أجدها ممتعة أندهش أحيانا بفكرة ما تحتويها كتابة ما لكني أكتفي بمتعة القراءة وبلذة الدهشة ويزيد إيماني بأن الكاتب كائن جد متميز لحظة الكتابة . وبالنسبة لي فالكتابة هي أن تبرق بذهني فكرة خلاقة أمسك بها لتسحبني بعيدا في رحلة بناء لا تنتهي إلا بعد أن يكل خيالي وينضب .

ماهو العمل الذي تتمنين ان تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟

هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها ام هو مجرد مغرد خارج السرب؟ في عصرنا الحالي لم يعد للكاتب والمثقف عموما هذا الدور التأثيري على منظومة المجتمع كون الصورة والحدث احتلا مكانة كبيرة في حياة الأشخاص عبر وسائل التواصل الإجتماعي وقنوات الإعلام واحتل الخبر الغرائبي منه والفجائعي مقدمة البحث والتنقيب عن المعرفة ما حذا بسماسرة المواقع للتفنن في صناعة المعلومة بغض النظر عن مصداقيتها وجدواها .. ما جعل صوت المثقف يخبو أمام كل هذه الأصوات الشاذة عن الطرب الأصيل الذي تقتات منه الروح وينعكس سلوكا على الذات .

ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية اقل بسبب الحجر الصحي؟وهل العزلة قيد ام حرية بالنسبة للكاتب؟

بالنسبة لي ككاتبة العزلة هي اختيار كوني جد حساسة لما يجري في الواقع من أحداث أنظر إليها بوعيي الشقي وكأني أراها بمنظار يجعلها تبدو مريعة ومؤلمة .

أود لو ألتقي بالمتنبي لأخبره بأنه برأيي أعظم شاعر عربي وبأنه كان المجدد والسابق لعصره وبأنه على حد قول نيتشه فمجده تأسس بعد موته بكثير شأن العظماء .

ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو اتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

لا يمكنني الحكم على حقبة ماضية بعقلية وتجارب راكمتها لحد اللحظة لكن لو أتيح لي البدء من جديد كنت غيرت مسارات نحو منعطفات أفضل . لكنها سلطة الزمن القاضي بالجريان .

الى ماذا تحتاج المرأة في اوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟

بالنسبة للمساواة بين الرجل والمرأة يبدو لي الأمر نسبيا إن لم أقل مستعصيا وذلك لأسباب بيولوجية ونفسية وتاريخية . لكن يمكنني الحديث عن احترام المرأة كما أمر نبينا الأعظم ّ رفقا بالقوارير ” وفي حديث آخر ” لايكرمها إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم ” أرى بأن المدخل لمساواة حقيقية هي في احترامها أولا . المرأة ساهمت بشكل كبير في تشييئ ذاتها وتسليعها باعتبارها أداة لا فاعلا يتمتع بكامل حريته وإرادته في أن تكون كما شاءت هي . ظاهرة النموذج العالمي والموضة وشكل استهلاكهما لجسد ونفسية المرأة أبعداها كل البعد عن قيمة الحرية والإختيار . وعلى العموم مهما حاولت المرأة أن توفق بين ما تريده وما يطلبه منها المجتمع فلن تتوفق في ذلك نظرا للأفكار المعقدة التي تهيمن على ذهنية المجتمع من الجنسين . في رأيي يجب أن تتمتع المرأة بقيم عديدة أهمها الحياء والصبر والحكمة والمعرفة كعناصر لخوض معركة الحياة المشتركة ليس مع الرجل فقط بل مع جميع مكونات المجتمع .

صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن نصك المسرحي : “الفقيه والبهلوان” كيف كتب وفي أي ظرف؟

من المؤكد أن فعل الكتابة لابد له من محرك زمكاني يحصر فكر الكاتب في فكرة صادمة لتبدأ عملية التشظية وتفريخ مسارات النص والظروف الممكن لها مصاحبة أحداثه وبالنسبة لنصي المسرحي الفقيه والبهلوان فهو عبارة عن أضمومة لنصين مسرحيين الأول كما يشير له العنوان والثاني ” لعبة الموت ” . أما نص الفقيه والبهلوان فقد راودتني فكرة كتابته على إثر تراكم احتجاجات بداخلي على تفشي حمى الفتاوى التي أصابت مجتمعنا في فترة معينة . فتاوى غريبة وطائشة ومستفزة بعيدة كل البعد عن روح ديننا الذي عرفناه لا يتنافى مع فطرتنا الجميلة والمتماهية مع آدميتنا وتقبلنا الحسي والعقلي . تحدثت عن شخصية الفقيه الممثل للدين السياسي والمتنكر في عباءة فقيه عادي ومدى قوة تأثيره على عقول الشباب

المريدين يأخذون عنه أمور دينهم ويطلبون أجوبة على تساؤلاتهم وقد حصد العديد من المريدين ما يبين الفراغ الذي أحدثه بعدهم عن الأسرة وعن تلقيهم تربية متوازنة تنآى بهم عن أي مورد معرفي آخر وهذه الفئة هي ما يشكل في غالبيتها أحزمة الهامش . وفي المقابل يصطدم الفكر المضلل بالفكر التقدمي المتنور عبر شاب مثقف أكمل تكوينه الجامعي بشعبة علم الإجتماع لينشأ الصراع بينه وبين أحد مريدي الشيخ الذي حاول تجنيده لأغراض إرهابية تخدم مصالح جماعة سياسية لكن تم تغليف الخطاب الداعي لها بغطاء ديني تحريضي عنيف .. تمشي فصول الخطة كما أراد الشيخ إلى أن يتدخل لمعالجة أخت المريد التي كانت حالتها تستدعي تدخل الطب النفسي وادعى الشيخ معرفته بحالتها ليناولها مخدرا ويعتدي على شرفها .. تزداد حالتها سوأ ويظهر حملها قبل العملية الإرهابية وهي خطة تستدعي أن يقوم المريد بدور بهلوان أثناء حفل آخر السنة لمدرسة خصوصية بها ابن أحد المسؤولين الكبار والذي يشكل الهدف من العملية يعرف المريد بأمر أخته فيقرر الإنتقام يرتدي قبل تنفيذ العملية الحزام الناسف ويعانق الشيخ الذي كان يمده بالقوة ويزين له فعلته القادمة ويقرر الإنفجار وقد أخذ معه كل ذلك الشر . أما لعبة الموت فهو نص عبثي يسخر من الحرب ومن الموت والدمار الذي تسببه عبر لقاء رجل ماتت زوجته وأبناؤه وامرأة ماتت أمها وأولادها في هجوم حربي والتقيا صدفة تحت سقف بيت مهجور احتماء من لهيب الحرب الدائرة ويشرعان في سرد قصتهما .المرأة كانت تهرب من واقعها لعالم الأحلام كانت كل مرة تعيش أحداث حلم راودها في الليلة السابقة أما الرجل فكان في كل مرة يخرج للحرب يعود مصابا وتقوم بعلاجه وهي تؤنبه في كل مرة يحمله إليها الرجل دو البذلة البيضاء الشفافة وهو عنصر ثالث في النص يرمز إلى الموت الذي يتحرك في صمت يجلب العربة مليئة بالموتى وتقوم المرأة حاملة معولا بيدها وتشرع في حفر حفرة للجثث . إلى أن تفاجأ في نهاية النص بصاحب العربة يجر جثة الرجل فتقوم حزينة باكية وهي تنتحب بصوت خافت لتواري جثته بالتراب .

كيف تتعايش الشاعرة مع الكاتبة المسرحية تحت سقف واحد في حياة المبدعة فوزية بندادا؟ بالنسبة لي أي نص لا يشتمل على موسيقى ولحن شعري فهو مجرد بحث أو تقرير استدعته ضرورات عملية .. أكتب في حقول أدبية متنوعة الشعر المسرح والقصة القصيرة والرواية والسيناريو وكذلك لي مساهمات نقدية وبعض النصوص الشذرية ومساهمات صحفية عبر عمود بالملحق الثقافي لجريدة المنعطف ” اوذماون ” تعني وجوه وذلك طيلة سنة 2010 ..

ماجدوى الكتابة الابداعية ؟ وما الذي يريده الناس ، تحديداً، من الشاعر؟

أتساءل أحيانا عديدة عن جدوى الكتابة وخصوصا عندما تجبرني ظروف معينة على الإبتعاد عن الفضاء الأزرق وأصطدم بواقع لا أعرفه أو كنت في مفازة منه بهروبي إلى قلعة الكتابة والحرف المنيع .. والكاتب من المفروض أن يكون لسان حال المجتمع الذي يعايش مشاكله بشكل قريب وبحساسية خاصة يترجم وقائعه بأسلوبه الخاص ويضمنه اقتراحاته وتطلعاته نحو الأفضل ، لكن وللأسف انحدر كثيرا ذوق الأغلبية وصار الناس يتهافتون على الخبر السريع والصورة والنكتة الساخرة وكل ما لا يمت بصلة لخطاب جاد وجريء قد يشكل صفعة أو صعقة أو إنذار حسب حالة الغفلة أو الزيغ عن سكة الصواب .

من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك شاعرة مقروءة؟

هو أسلوب كتابتي ما يفرض عليها قارئا معينا لا أقول أكتب للنخبة لكني أفضل أن أفتح دائما بوابات للتأويل ولا أركن للكتابة التي تفضي لمعنى محدد تنتهي صلاحيتها بعد حين وجيز أو مباشرة بعد قراءتها أفضل أن يسري المعنى مع الزمن ويتماهى مع حساسيات متعددة ومتجددة تماما كلوحة سريالية كلما عاودت النظر إليها تبدت لك أشكال خفية وجديدة .. ربما لو اتسمت كتاباتي بالوضوح والبساطة وتركزت على جوانب عاطفية لكنت مقروءة بشكل واسع . لكني أكتب لي كقارئة أولا ولا أنشر حتى أحقق نسبة رضا تشجعني على ذلك .

17.كيف ترين تجربة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي؟

أتاحت وسائل التواصل الإجتماعي فرصة كبيرة لانتشار النصوص على مدى أوسع أكثر بكثير من الكتاب الذي يظل حبيس المكتبات يتوسل بمريديه على قلتهم أو على معارض الكتب على قلتها أيضا .. هناك نصوص ترجمت للغات عدة عن طريق التواصل عبر الأزرق وهناك كتب على شكل پدف تعرف متابعة كبيرة وتتيح للطلبة الباحثين التوسع بدراساتهم وأبحاثهم الأكاديمية لأهميتها ودقة تركيزها وتنوع منابعها . أظن الكتابة لها جدواها على فضاأت التواصل أكثر مما هي عليه بالرفوف والمكتبات .ولا أخفي أن للنشر الورقي سحره الخاص على روح الكاتب.

أجمل ذكرى حين توسلت بالله عبر تلاوة آية الكرسي وكنت في موقف لا أحسد عليه ولا أعرف الخروج منه إلا بلطف وعناية الله وبشكل لم أستوعبه لحد الآن . أما أسوأ ذكرى فكانت موت أبي في الثامن من مارس من سنة 2019.

ونحن مقبلون على انتخابات تشريعية جديدة أتمنى أن يحظى الشرفاء بفرصة تسيير الشأن العام بشكل يليق بانتظارات كل شرائح المجتمع بعيدا عن الشطط والإرتجالية والأنانية المفرطة واعتبار المجالس مجرد جسر نحو الإغتناء على حساب المصلحة العليا للوطن وأبنائه. كما أتمنى أن ترتبط ببلادنا المسؤولية بالحساب للضرب بقوة على أيدي لصوص المال العام لأن عملية التطور ببلادنا وتطلعات ملك البلاد تسبق بكثير ما تتخبط فيه المجالس من خطوات عشوائية غير محسوبة النتائج على مستويات عدة.

30 أغسطس 2021

مصدر : ariffino.net.