مجلة الثقافة المغربية تستحضر الكاتب الناظوري الراحل بشير القمري وتعيد إصدار “فواصل الجُمان”

مجلة الثقافة المغربية تستحضر الكاتب الناظوري الراحل  بشير القمري وتعيد إصدار “فواصل الجُمان”
سعي إلى البحث في الثقافة المغربية والتعريف بمكنوناتها ووضعها على مجهر النقد، إنصافا وتطويرا، يستمر فيه أحدث أعداد مجلة “الثقافة المغربية”، الذي تذكر الناقد الراحل بشيرا القمري في ركن “الحاضرون معنا”، واستمر في إغناء المكتبة المغربية بإعادة نشره الجزء الأول من “فواصل الجُمان في أنباء وزراء وكُتاب الزمان”.

يضم هذا العدد الثاني والأربعون من “الثقافة المغربية”، عبر ما يقرب من 400 صفحة، ملفا حول “سوسيولوجيا التراكم الثقافي في المغرب”، ومقالات حول المغرب بين الأمس واليوم، ومقاربات فنية لتجارب في النحت والتشكيل والسينما والمتاحف المغربية، وأبحاثا عن أفق العمل الثقافي في المغرب ورياح السينما التي تحمل الثقافة المغربية عبر الحدود وعن المرجعيات الأنثروبولوجية للمهرجانات التراثية بالمملكة ومبحث الثقافة الشعبية بالبلاد وسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية النسائية، مع بحث في فرص ومخاطر علاقة الشباب المغربي بشبكات التواصل الاجتماعي.

وترد في المجلة، أيضا، نصوص شعرية وقصصية وكتابات في الفكر والنقد وأبحاث في تجارب الباحثين والمبدعين الغائبين محمد وقيدي ومحمد الصباغ ومحمد الميموني. كما تضم حوارا للكاتب حسن الوزاني مع المترجمة الصينية تشانغ هونغ يي، التي درّست اللغة العربية لثلاثين سنة.

وتدافع المجلة الصادرة عن وزارة الثقافة والشباب والرياضة عن مفهوم للثقافة المغربية تكون فيه “ثقافة بمشارب ومصادر ومنابع خصيبة، وما فيها تعبيرات إبداعية وفنية وجمالية، هي انعكاس للتعبيرات اللغوية، وللتنوع البشري والجغرافي، وما أتاحه لنا هذا التنوع من تفرد، هو ما يميزنا اليوم، أو هو نحن، فيما اكتسبناه من مؤهلات، ومن قدرة على الابتكار والإنجاز، وعلى التساؤل، واقتراح الحلول أو المشاريع والبرامج والتصورات”.

في الصورة التي هي عليها اليوم هي تعبير عن كل هذا، في ما يصدر فيها من ملفات، وكتابات، ومن أشكال فنية جمالية. فالثقافة، في مفهومها الأنثروبولوجي، هي هذه الوفرة، ليس بمعنى الكم، بل بمعنى القيمة والنوع. الأدب، والفلسفة، والمعمار، والنحت، والموسيقى، والرسم، والشعر، والمسرح، والقصة، والسينما، والعلوم الإنسانية، التي هي آلة القراءة وحل بعض ما يلتبس علينا من مشكلات”.

وتواصل الافتتاحية: “كل هذا، عملنا على أن يكون تعبيرا عن عنوان المجلة، لا أن تكون مجلة أدب، ونتوهم، حينها، أن الأدب هو الثقافة، دون غيره من حقول المعرفة والفن والجمال”. فـ”الثقافة المغربية، عنوان كبير، فيه نجد هوية بلد، وأمة، وهوية فكرنا، وما عندنا من عقل وخيال، هما ما أتاح لنا، هذه الخصوبة، التي هي تعبير عن وجود ماء يجري في تربتنا، هو ذلك الماء الذي طالما تحدث عنه العرب، باعتباره ما يضفي السيولة والسلاسة على الكتابة، وهو الماء الذي هو مصدر حياتنا ووجودنا على الأرض”.

وفي عمود “من غرفة التحرير”، دافع صلاح بوسريف، مدير المجلة، عن استثمار العلوم الحديثة، والإنسانيات خاصة، في قراءة “النصوص، أو الواقع والأحداث، وما يجري في الواقع من متغيرات اجتماعية أو سوسيو ثقافية”، لكونها يمكن أن تساعد في “الاكتشاف والفهم، وفي رؤية ما كان دفينا، لم نكن نبلغه من قبل، لأننا كنا نقرأ دون منهج، ودون آلة وأداة”.

وسجل بوسريف أن “الطبيب والمهندس ومن يشتغل بالرياضيات، وحتى بالفقه، وبعلوم الدين، مدعو إلى دراسة ومعرفة هذه العلوم”؛ لأن “العقل الذي يعمل دون منهج، ودون طريقة في القراءة وفي الفهم، هو عقل يكتفي بالبدَاهات، وربما هو عقل مساحة أو حدود أراضيه ضيقة، بل مسافة الرؤية فيه تبقى ضيقة، لا تذهب إلى تخوم ما يرومه العقل المنشرح”.

كما أكد مدير المجلة أن المدرسة في حاجة اليوم إلى علم الاجتماع “مثل حاجتها إلى الفلسفة وعلم النفس، وإلى علم التاريخ”، قبل أن يزيد شارحا: “أعني إلى المبادئ العامة والمفاهيم الأساسية، لمساعدة التلاميذ، في مختلف الشُّعب والتخصصات، على التحرر من ظاهر النصوص والوقائع والأحداث، أو لاكتشاف ما يكمن في كل نص أو واقعة أو حدث، من عمق”.

وفي هدية “مجلة الثقافة المغربية”، قدم الجزء الأول من كتاب “فواصل الجُمان في أنباء وزراء وكُتاب الزمان” لمحمد غريط المتوفى سنة 1945، بعدما راجعه وقدمه الباحث محمد آيت لعميم، مع تمهيد للباحث صلاح بوسريف.

ونشر هذا الكتاب سنة 1927، بعدما أُلّف سنة 1914، نظرا لـ”استشعار المؤلف إقبال الشبيبة العصرية الناهضة في زمنه على المعرفة، وولعهم بالتاريخ وحبهم للأدب”، فتحمس لتعميمه “في أفق دعوى الإصلاح، فصدمة الاستعمار أيقظت هؤلاء الشباب من سباتهم”.

وفي تقديم الكتاب، ذكر أن المؤلف قد ركز في كتابه على التأريخ لـ”الوزراء ورجالات الدولة، بدءا من فترة عبد الرحمان بن هشام إلى زمن المولى عبد الحفيظ. وأرخ كذلك للكُتّاب الذين كانوا في هذا العصر وارتبطوا بالسلطة الوقتية، وكأنه بهذا العمل المخصص لفترة عصيبة في تاريخ المغرب الحديث

يريد أن يمرر عبره رسائل، وهي أن المغرب منذ كان، هو دولة حاولت جهدها أن تصمد وسط الإعصار، دولة كان للعلماء والأدباء دور كبير في سياستها، فجل الوزراء الذين شملهم التاريخ، كانوا من رجالات العلم والأدب والفكر. في إشارة إلى أن الدولة كانت دائما تحيط نفسها بالنخبة المثقفة، وقد تتبع محمد غريط هؤلاء، مؤرخا لهم في علاقتهم بالسلطة الحاكمة، والأدوار التي اضطلعت بها في الحفاظ على وحدة البلاد وتماسكها”.

وزاد آيت العميم أن الكاتب “لم يتحرّج من ذكر المآلات التي آل إليها أغلب هؤلاء الوزراء والكتاب، لتعرضهم لغضب السلطة وتوتر العلاقات بينهما أو فتورها، ومن النكبات التي تعرض لها هؤلاء الكُتّاب والوزراء ومصائرهم التي كانت أحيانا مأساوية”.

كما سجل الباحث الأكاديمي أن محمدا غريط “نسج كل ترجمة بأسلوب مشرق موقَّع، وبقدرة فائقة على التقاط خصائص كل واحد، مما جعل تراجمه تحفا أدبية، تمتع وتفيد، تراجم مليئة بالأخبار والحوادث التاريخية يمتزج فيها الأدب بالخبر. كما أن هناك قصائد شعرية منتخبة في أغراض شتى، ونوادر وقصص وحكايات ورسائل سلطانية، ومقامات كتبها كُتّاب مغاربة؛ فقد أورد منها نماذج غاية في السبك محبوكة حبكا، ولم يخل الكتاب من نوادر وفكاهات على طريقة الجاحظ، وقد أورد بعض المعلومات التي تبرز أن بعض رجالات السلطة في ذلك العصر حتى ولو لم يكونوا من الأدباء، فإنهم كانوا يحيطون أنفسهم بالنخبة المثقفة آنذاك”.

بالتالي، عبر هذا المؤلف، الذي أعادت إصداره المجلة: “يكون محمد غريط قد أنقذ مرحلة بكاملها من الضياع عبر توثيق تراجم هؤلاء الأدباء الأعيان، وضمن كتابه منتخبا من النصوص الشعرية والنثرية وبعض المساجلات الأدبية، ونماذج من المقامات التي ظل المغاربة يكتبونها حتى بداية القرن العشرين”، كما أنه: “صورة لطبيعة المدرسة المغربية التي ظلت مرتبطة بأختها الأندلسية، ولم تغب تلك الروح الأندلسية في ما تشكل من إبداع وكتابة لدى المغاربة في هذه الفترة”.

19 أغسطس 2021

مصدر : ariffino.net.