الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين :ضيف حلقة الأسبوع الكاتب عبد الرحيم التدلاوي

الناظور…سلسلة الحوارات مع المبدعين :ضيف حلقة الأسبوع الكاتب عبد الرحيم التدلاوي
أسماء وأسئلة:إعداد وتقديم رضوان بن شيكار.

تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.

ضيف حلقة الأسبوع الكاتب عبد الرحيم التدلاوي

أولا، أتقدم بجزيل شكري لك أخي سيدي رضوان على كرمك واهتمامك، وما تبذله من مجهودات قيمة في التعريف بالمبدعين. ثانيا، أنا إنسان بسيط، وحياتي مسطحة لا شيء فيها يغري بالمتابعة، من مواليد مدينة مكناس التي أعشقها حتى إني قلت فيها: “ولا أعرف إن كانت مكناس تسكنني أو أسكنها؟ ولا أعرف إن كانت مكناس تتنفسني أو أتنفسها؟ لكن ما أعرفه أن مكناس أنا، فإن قلت يا مكناس التفت..” ثالثا، تبقى بعض أجوبتي انطباعية، وخاضعة للمراجعة والجرح والتعديل.

2. ماذا تقرأ الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟

أنا بصدد قراءة أعمال عدة سردية وشعرية، منها: كافكا في طنجة، وسدوم للشاعر بنطلحة، وعملان شعريان للمرحوم محسن أخريف، وديوان للشاعر نزار كربوط وهي في ملف بي دي إف، ورواية “الساعاتي”، ورقيا، للمبدع حسن إمامي، مع مرور عابر على أعمال الشاعر الأردني أمجد ناصر.

الحقيقة لا أتذكر تاريخا محددا ل”متى بدأت الكتابة؟”، كل ما أعرفه، أنني أحببت هذا النشاط مبكرا، كتبت ما يشبه قصائد قصيرة باللغة الفرنسية، ثم مزقتها وكذلك الشأن بالنسبة للعديد من القصص القصيرة، لربما لأني لم أكن راضيا عنها.

4 . ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟

غير مكناس، يمكن سرد إفران، وأصيلة ـطنجة، ومراكش، وبي حنين لزيارة أزيلال التي اشتغلت بها وكانت لي بها ذكريات تجمع بين المر والحلو.

5. هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟

أبدا، فالرضا نهاية، ولو كنت راضيا ما تابعت الكتابة، الفعل بحث مستمر ومضن عن النص المكتمل، هو سراب يجبرني على الاقتراف المستمر للكتابة لأسكت صوتا داخليا يحثني على الكلام الجميل، وما أنا ببالغ المرجو، فالطموح كبير، والإنجاز لن يبلغه. أما في ما يخص جديدي، فقد أكملت جمع وترتيب وتصفيف مجموعتي “اليد التي حجبت القمر”، بمساعدة جليلة من الشاعر سيدي عبد الله فرجي، والشاعر والناقد سيدي رشيد أمديون، وتنتظر دارا تتبناها. فأغلب الأعمال التي نشرتها كانت على نفقتي؛ وهي مناسبة لأتوجه بشكري الحار للصديق شريف عابدين الذي كان له الفضل في نشر مجموعتي الأولى “وجوه مشروخة”، وللصديق عوض بديوي الذي له فضل نشر مجموعتي “مفترق طرق”، وللصديق جميل حمداوي الذي ساهم في نشر مجموعتي “الطيور لا تنظر خلفها حين تحلق”.

6 . متى ستحرق أوراقك الإبداعية وتعتزل الكتابة؟

حينما أشعر أنني قد اقتربت مما أصبو إليه، أو حين أجدني ناضبا، أو مكررا

7 . ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟

أولا، لا أمتلك طقسا محددا، أكتب متى حركني إحساس، أو فكرة، ومشهد، أو غير ذلك. وقد أرغمت نفسي على ألا أنهض ليلا لأدون فكرة أو نصا أو خاطرة؛ قطعت مع هذا السلوك المزعج لي ولأسرتي. ثانيا، كثيرة هي الأعمال التي أدهشتني، ونالت إعجابي، وكنت أرجو أن أكون صاحبها.

8 .هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟

قد أكون مجانبا للصواب إن قلت إنه مؤثر، على الأقل، في المرحلة الراهنة، فالظن أنه خارج السرب؛ بمعنى يعيش وحيدا ويسعى إلى تحقيق التغيير رغم كم العراقيل والمطبات والخطوط الحمراء المرسومة من السلطة بكل تلاوينها، حتى إنه قد يصاب بالإحباط، بفعل غياب شرط مهم ألا وهو الحرية، كما حصل لحسن أوريد الذي قال:” دفعت السوارت” سلمت المفاتيح، لكنه إحباط مرحلي سينهض من جديد ليواصل اقتراف فعل الكتابة والتفكير، وإلا لماذا يكتب؟ لم يصرف جهدا معتبرا في التفكير والكتابة؟ إنه لا يمارس الكتابة إلا من أجل إحداث تغيير إيجابي في المجتمع، وقبل ذلك في حياته. تاريخنا هو تاريخ محاكمة الفكر الحر. لابد من الإشارة إلى بعض أسباب العزوف عن القراءة، منها: أزمة التعليم، وأزمة الأسرة في علاقتها بمنظومة القيم، وأزمة التعليم الجامعي والبحث العلمي، وأزمة اليسار، وفقدان الثقة في المثقف العقلاني. كما أظن، وبعض الظن تجن، أن الإبداع لا يحقق تغييرا، فأطنان من القصائد بمختلف تلاوينها، وأنهار من القصص؛ طويلها وقصيرها، والكثير من الروايات والمسرحيات والأشرطة السينمائية.. لم تستطع حلحلة المجتمع، ومحاربة الفساد؛ هذا الداء الذي يزداد قوة وتمددا. هناك فاعلون ومؤثرون جدد ظهروا على الساحة ويمتلكون قوة التأثير في متابعيهم، يتعلق الأمر ببعض شخصيات المواقع الاجتماعية الذين يحظون بمتابعات تعد بالملايين، ولهم تأثير واضح، يتجلى في حملة المقاطعة التي دعوا إليها وشهدت نجاحا مهما، وفي حملات التوقيع ضد هذا القانون أو ذاك.

9. ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟

أرغب في أن أعيش تجربة العزلة الطوعية لا الإكراهية الحادة من الحرية، والتي تبني بيني وبين الناس حواجز عالية، حتى أتمكن من قراءة الكثير من الأعمال المؤجلة والتي أراها ضرورية ولا يمكن أن تبقى في قاعة انتظار، مؤجلة إلى ما لا نهاية. الإكراهات الاجتماعية لا تسمح لي بتحقيق هذه الرغبة، وأغبط المتصوفة الذين تمكنوا من العيش في عزلة لتحقيق ذواتهم، والمصلحين الذين تمكنوا من قراءة واقعهم، وهم في عزلتهم، بشكل أفضل بغاية التأثير فيه؛ إصلاحه أو تغييره.

10 . شخصية من الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟

بي رغبة في لقاء جدي وجدتي، بي رغبة شديدة لأعانقهما، توفيا قبل أن يبلغ أبي رحمة الله عليهم جميعا، الحلم. بي رغبة أن أسمع قصص جدتي، حرمت من هذا الامتياز.

11 . ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟

بصراحة، لو أتيح لي الاختيار لرغبت عن الحياة، ولطلبت إعفائي منها.

12 . ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟

تبقى الذكريات علامات إشارة تفرض نفسها، وتدعو إلى إعادة النظر فيها، وتأملها من جديد، للاستفادة منها…

13.ما الذي يريده الناس تحديدا من الكاتب؟

ربما الصمت حتى لا يزعج الأموات، هههه، أظن أن الناس قد انصرفوا عن الكتاب ولم يعودوا يرغبون في سماع صوت الكاتب، كونه لا يطرب.

14 .صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن مجموعتك القصصية

الطيور لا تنظر خلفها حين تحلق).كيف كتبت وفي أي ظرف؟

تعود غالبية قصص المجموعة إلى بداياتي في كتابة القصة القصيرة جدا؛ فقد كنت أكتب، قبل ذلك، القصة القصيرة، ولم أنشر أي نص من نصوصها رغم تشجيعات أستاذي الوكيلي الذي رافق نصوصي الأولى، وحثني على المضي في هذا المجال، ودعاني إلى نشر قصة نالت إعجابه، لكنني لم أفعل لأسباب موضوعية، وضاع النص. وعن المجموعة، سأكتفي بالحديث عن فوزها بالمرتبة الأولى في مهرجان القصة القصيرة جدا بالناظور. لقد كان الفوز رد اعتبار. وهي مناسبة لأجدد شكري لكل القائمين على هذا المهرجان.

15. ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟

بالنسبة لي، وإلى إشعار لاحق، الكتابة ممارسة للحرية، وبحث عن التوازن في عالم مختل، والسير إلى ما بعد الألم. الكتابة تعبير عن حضور في هذا العالم، وتأكيد على أن العبور لم يكن عابرا. رغم أن المجتمع لا ينظر إلى الإبداع نظرة احترام بل يراه ممارسة من دون جدوى. والأكيد أن الإبداع مرتبط أشد الارتباط بالواقع، ينهل منه، ويعيد تشكيله وفق قوانينه، يقدمه بشكل يحقق الدهشة والإمتاع والمؤانسة. لقد ترك الإنسان منذ أن حط رحله على هذه الأرض رسومات وكتابات يؤرخ بها لوجوده، فلا يمكن عزل الإنسان عن الكتابة، وعن التعبير عن نفسه. فالكتابة ضرورة وجود، وتعبير عن الحضور في هذا العالم والتأثير فيه بعد التأثر به.

16 . كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟

النشر في مواقع التواصل جاء ليحقق طموح أقلام فذة للتعبير عن نفسها وتقديم إبداعاتها؛ هذه الإبداعات التي أقفلت أبواب النشر التقليدية في وجهها، صحيح أنها مواقع سهلت النشر لكل ذي هاتف ذكي له ارتباط بهذه المنابر الحديثة، لكن الوجه الآخر؛ الوجه المشرق، يكمن في تمكن أسماء جديدة من فرض نفسها وجعل المنابر التقليدية تتبناها، وتفتح ذراعيها لما تجود به من إبداع. ونرى أن بعض المبدعين الكبار قد أولوا اهتماما بالغا بهذه المواقع، ونشروا إبداعاتهم بها لتحقيق انتشار أوسع.

أختزن ذكريات مؤلمة، تمنيت لو أستطيع العودة إلى الوراء لإصلاحها، أشعر بوخز الضمير كلما استحضرتها؛ وكثيرا ما أستحضرها. كما أختزن ذكريات جميلة؛ منها افتخاري بانتسابي لأبي، هذا الافتخار جاء متأخرا بعد تأمل طويل في الواقع والناس؛ هذا الرجل المكافح الذي عاش طوال حياته عفيف النفس، كريم العطاء من دون من، بقي يشتغل إلى آخر رمق له، مرتبطا بحقله الذي ظل يحنو عليه إلى أن مات، فتصحر الحقل حزنا عليه. ولأمي التي تمتلك شخصية قوية، ورغم ثقل السنين، فما زالت تقاوم الحياة بمفردها من دون أن تعتمد على أحد. ومن بين الذكريات الجميلة والتي لها أثر في حياتي، تكوين أسرة صغيرة وطيبة.

الشكر لكم، ولكل من يخدم الإبداع بشكل مباشر أو غير مباشر.

7 مايو 2021
مصدر : ariffino.net.